محمد عياش ملحم

m

 

متسلحاً بشهادة الماجستير في القانون من جامعة ليدز في المملكة المتحدة، تأصل في وجدان محمد ملحم اهتمام عميق تجاه حقوق ومصالح ورفاهية العمال العرب، ورغبة قوية لدعم وتثقيف شعبه العربي.

ففي أول وظيفة له في المملكة العربية السعودية، في شركة أرامكو (1951-1956)، دعم محمد ملحم نضال العمال السعوديين والعرب في سعيهم لنيل حقوقهم العادلة في وجه الهيمنة الأجنبية على إدارة تلك الشركة. وبفضل هذا النوع من التفكير الريادي تمكنت السعودية في سنوات لاحقة من انتزاع السيطرة على مواردها الوطنية من يد الشركات الأجنبية. وعلى الرغم من أن دعمه لحقوق العمال كان قد كلفه وظيفته في شركة أرامكو، إلا أن تذوّق محمد ملحم لطعم النجاح في النشاط والدعوة باكراً، أدى إلى تعزيز قناعته بأن تطور الحركة العمالية العربية لا يمكن أن يسير إلا من خلال القانون والإرشاد القانوني، أي العلم بتفاصيله، ومعرفة أسسه. 

ثم توجه محمد ملحم إلى الأردن في عام 1956، وتولى دور المستشار القانوني لوزارة الاقتصاد في عمان. وبعد عام افتتح مكتبه الخاص للمحاماة، وكان في كثير من الأحيان يقوم بالدفاع عن قضايا العمال بلا مقابل. 

وفي عام 1961 شكل دفاعه الناجح عن حق موظفي البنوك في تأسيس نقابة لهم سابقة قانونية. إذ أيدت محكمة العدل العليا طلبهم، فعاد، بفضل ذلك النصر، العمل النقابي إلى نشاطه الطبيعي، رغماً عن قانون الأحكام العرفية المفروض في تلك الفترة، والذي كان قد حل جميع النقابات الأردنية. 

ونذكر إنجازاً كبيراً آخر لذلك المحامي الشاب؛ فقد ساعد على ربط نقابة المحامين الأردنيين واتحاد المحامين العرب مع رابطة القانون الدولي.

إضافة إلى ذلك، ساهم محمد ملحم في تأسيس العديد من الاتحادات والنقابات العمالية والمجالس البلدية في الأردن وفي فلسطين، من أبرزها اتحاد المحامين الفلسطينيين، ولجنة مناهضة جدار الفصل العنصري.

كان لنشاطه الذي لا يكل في الدفاع عن حقوق العمال وحقهم في تنظيم أنفسهم، وكذلك لانتمائاته السياسية للقوى الليبرالية التقدمية، سبب في تعرضه للحبس مرتين (أي ما حصيلته عامين في 1959 وفي 1967). لكن السجن لم يثن عزيمته ولم يردعه، فكان دائم النشاط في دعمه للطبقة الكادحة وقضاياها بلا انقطاع، وظل وفياً لها إلى حين وفاته في صيف 2015.

 احتلال إسرائيل للضفة الغربية في عام 1967، والاضطرابات السياسية التي تلت ذلك في المنطقة، أديا إلى تقليص فرص العمل في الأردن بشكل كبير، فقرر محمد ملحم الانتقال والعمل في دول الخليج العربية، فرجع إلى السعودية، ثم انتقل منها إلى الكويت وأسس مكتباً للمحاماة هناك. كانت الكويت آنذاك الدولة الخليجية الأكثر انفتاحاً وتقدماً، وعاش محمد ملحم وعمل فيها في الفترة من 1967 إلى 1990 وساهم هناك في تشكيل مختلف المؤسسات والمنظمات الأهلية، كما وضع في عام 1985 ميثاق منظمة الرعاية الفلسطينية، التي بقي وفيّاً لها بالنشاط والتبرعات طيلة حياته.

في أعقاب حرب الخليج الأولى في عام 1990، اضطر معظم الأردنيين والفلسطينيين في دول مجلس التعاون الخليجي إلى تحمل أكبر بلاء لقرارات قياداتهم السياسية، والتي تمثلت بالبقاء على الحياد تجاه غزو صدام حسين للكويت. تبعات ذلك الموقف السياسي أدّت إلى اضطرار أعداد كبيرة من الأردنيين المغتربين إلى العودة إلى وطنهم الأردن.

رجع محمد ملحم إلى الأردن، وأسس لنفسه في عام 1992 مكتباً للمحاماة. ثم قام مع عدد من أصدقائه ومعارفه بمساعدة إخوانه المواطنين النازحين على التكيف مع واقعهم الجديد في وطنهم. ولكن الأعداد الهائلة من المواطنين الوافدين، فرضت واقعاً لم تتمكن المساعدات المادية المتاحة من مجاراته.

لذلك قرر محمد ملحم تغيير نهج واستراتيجية جهوده الخيرية. فقام في عام 1992 بتأسيس جمعية التأهيل والرعاية الخيرية للمساعدة المباشرة لمن هم بحاجة ماسة لذلك، وإضافة إلى ذلك، من أجل تدريب أفراد المجتمع كي يتمكنوا من العثور على وظائف مناسبة وإعالة أنفسهم.

كان ذلك الأسلوب الجديد للعمل الخيري أكثر استمرارية واستدامة، إذ مكن الأفراد من الاستفادة من مهاراتهم المكتسبة وتسويقها، محققين بذلك الاعتماد على النفس بدلاً من الاعتماد على التبرعات الخيرية. كما واصلت الجمعية توسيع نطاق نشاطها، فبدأت بدفع رسوم دراسية لأولئك الذين لا يقدرون على تحمل تكاليف الجامعات أوالمدارس المهنية. 

يستمر نهج الجمعية الحسن إلى يومنا هذا، حيث قام رجل الأعمال الناجح حازم، وهو الابن الأكبر لمحمد ملحم، بأخذ زمام أمور الجمعية لإبقائها سائرة على خطى والده الطيبة.

من أحد مساهمات ملحم الهامة لوطنه الأم فلسطين كان نشر كتاب أدى إلى تجميع العديد من الأصوات الدولية التي تفضح الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني ونزعتها الخبيثة لممارسة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، مع تركيز الكتاب على قضية بناء إسرائيل لجدار الفصل العنصري. كتاب شامل بتفاصيله واقتباساته المنتقاة وطرحه العلمي حول استمرارية انتهاك ذلك الجدار العنصري للقوانين الدولية، وكيف أن تأثيره السلبي الكارثي على معيشة وحياة الفلسطينيين يُعدّ، إضافة إلى ذلك، انتهاكاً لتلك القوانين.